الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: وفي تسميتها بالوسطى ثلاثة أوجه:أحدها: لأنها أوسط الصلوات الخمس محلًا، لأنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار.والثاني: لأنها أوسط الصلاة عددًا، لأن أكثرهن أربع وأقلهن ركعتان.والثالث: لأنها أفضل الصلوات ووسط الشيء ووسطاه أفضله، وتكون الوُسْطَى بمعنى الفُضْلَى. اهـ..قال الفخر: اختلفوا في الصلاة الوسطى على سبعة مذاهب:فالقول الأول: أن الله تعالى أمر بالمحافظة عليها، ولم يبين لنا أنها أي صلاة هي، وإنما قلنا: إنه لم يبين لأنه لو بين ذلك لكان إما أن يقال: إنه تعالى بينها بطريق قطعي، أو بطريق ظني والأول باطل لأنه بيان إما أن يكون بهذه الآية، أو بطريق آخر قاطع، أو خبر متواتر ولا يمكن أن يكون البيان حاصلًا في هذه الآية، لأن عدد الصلوات خمس، وليس في الآية ذكر لأولها وآخرها، وإذا كان كذلك أمكن في كل واحدة من تلك الصلوات أن يقال: إنما هي الوسطى، وإما أن يقال: بيان حصل في آية أخرى أو في خبر متواتر، وذلك مفقود، وأما بيانه بالطريق الظني وهو خبر الواحد والقياس فغير جائز، لأن الطريق المفيد للظن معتبر في العمليات، وهذه المسألة ليست كذلك، فثبت أن الله تعالى لم يبين أن الصلاة الوسطى ما هي ثم قالوا: والحكمة فيه أنه تعالى لما خصها بمزيد التوكيد، مع أنه تعالى لم يبينها جوز المرء في كل صلاة يؤديها أنها هي الوسطى فيصير ذلك داعيًا إلى أداء الكل على نعت الكمال والتمام، ولهذا السبب أخفى الله تعالى ليلة القدر في رمضان، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى اسمه الأعظم في جميع الأسماء، وأخفى وقت الموت في الأوقات ليكون المكلف خائفًا من الموت في كل الأوقات، فيكون آتيًا بالتوبة في كل الأوقات، وهذا القول اختاره جمع من العلماء، قال محمد بن سيرين: إن رجلًا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات كلها تصبها، وعن الربيع بن خيثم أنه سأله واحد عنها، فقال: يا ابن عم الوسطى واحدة منهن فحافظ على الكل تكن محافظًا على الوسطى ثم قال الربيع: لو علمتها بعينها لكنت محافظًا لها ومضيعًا لسائرهن، قال السائل: لا.قال الربيع: فإن حافظت عليهن فقد حافظت على الوسطى.القول الثاني: هي مجموع الصلوات الخمس وذلك لأن هذه الخمسة هي الوسطى من الطاعات وتقريره أن الإيمان بضع وسبعون درجة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والصلوات المكتوبات دون الإيمان وفوق إماطة الأذى فهي واسطة بين الطرفين.القول الثالث: أنها صلاة الصبح، وهذا القول من الصحابة قول علي عليه السلام، وعمر وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي أمامة الباهلي، ومن التابعين قول طاوس، وعطاء، وعكرمة ومجاهد، وهو مذهب الشافعي رحمه الله والذي يدل على صحة هذا القول وجوه الأول: أن هذه الصلاة تصلى في الغلس فأولها يقع في الظلام فأشبهت صلاة الليل، وآخرها يقع في الضوء فأشبهت صلاة النهار الثاني: أن هذه الصلاة تؤدى بعد طلوع الصبح، وقبل طلوع الشمس، وهذا القدر من الزمان لا تكون الظلمة فيه تامة، ولا يكون الضوء أيضًا تامًا، فكأنه ليس بليل ولا نهار فهو متوسط بينهما الثالث: أنه حصل في النهار التام صلاتان: الظهر والعصر، وفي الليل صلاتان: المغرب والعشاء، وصلاة الصبح كالمتوسط بين صلاتي الليل والنهار.فإن قيل: فهذه المعاني حاصلة في صلاة المغرب قلنا: إنا نرجح صلاة الصبح على المغرب بكثرة فضائل صلاة الصبح على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى الرابع: أن الظهر والعصر يجمعان بعرفة بالاتفاق، وفي السفر عند الشافعي، وكذا المغرب والعشاء، وأما صلاة الفجر فهي منفردة في وقت واحد فكان وقت الظهر والعصر وقتًا واحدًا ووقت المغرب والعشاء وقتًا واحدًا، ووقت الفجر متوسطًا بينهما، قال القفال رحمه الله: وتحقيق هذا الاحتجاج يرجع إلى أن الناس يقولون: فلان وسط، إذا لم يمل إلى أحد الخصمين، فكان منفردًا بنفسه عنهما، والله أعلم الخامس: قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] وقد ثبت بالتواتر أن المراد منه صلاة الفجر، وإنما جعلها مشهودًا لأنها تؤدى بحضرة ملائكة الليل وملائكة النهار.إذا عرفت هذا فوجه الاستدلال بهذه الآية من وجهين أحدهما: أن الله تعالى أفرد صلاة الفجر بالذكر، فدل هذا على مزيد فضلها، ثم إنه تعالى خص الصلاة الوسطى بمزيد التأكيد، فيغلب على الظن أن صلاة الفجر لما ثبت أنها أفضل بتلك الآية، وجب أن تكون هي المراد بالتأكيد المذكور في هذه الآية والثاني: أن الملائكة تتعاقب بالليل والنهار، فلا تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في وقت واحد إلا صلاة الفجر، فثبت أن صلاة الفجر قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه، فكانت كالشيء المتوسط السادس: أنه تعالى قال بعد ذكر الصلاة الوسطى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين} قرن هذه الصلاة بذكر القنوت، وليس في الشرع صلاة ثبت بالأخبار الصحاح القنوت فيها إلا الصبح، فدل على أن المراد بالصلاة الوسطى هي صلاة الصبح السابع: لا شك أنه تعالى إنما أفردها بالذكر لأجل التأكيد، ولا شك أن صلاة الصبح أحوج الصلوات إلى التأكيد، إذ ليس في الصلاة أشق منها، لأنها تجب على الناس في ألذ أوقات النوم، حتى إن العرب كانوا يسمون نوم الفجر العسيلة للذتها، ولا شك أن ترك النوم اللذيذ الطيب في ذلك الوقت، والعدول إلى استعمال الماء البارد، والخروج إلى المسجد والتأهب للصلاة شاق صعب على النفس، فيجب أن تكون هي المراد بالصلاة الوسطى إذ هي أشد الصلوات حاجة إلى التأكيد الثامن: أن صلاة الصبح أفضل الصلوات، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد من الصلاة الوسطى صلاة الصبح، إنما قلنا: إنها أفضل الصلوات لوجوه أحدها: قوله تعالى: {الصابرين والصادقين} إلى قوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 17] فجعل ختم طاعاتهم الشريفة وعباداتهم الكاملة بذكر كونهم مستغفرين بالأسحار، ثم يجب أن يكون أعظم أنواع الاستغفار هو أداء الفرض، لقوله عليه الصلاة والسلام حاكيًا عن ربه تعالى: «لن يتقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم». وذلك يقتضي أن أفضل الطاعات بعد الإيمان هو صلاة الصبح وثانيها: ما روي فيها أن التكبيرة الأولى منها مع الجماعة خير من الدنيا وما فيها وثالثها: أنه ثبت بالأخبار الصحيحة أن صلاة الصبح مخصوصة بالأذان مرتين: مرة قبل طلوع الفجر، ومرة أخرى بعده وذلك لأن المقصود من المرة الأولى إيقاظ الناس حتى يقوموا ويتشمروا للوضوء ورابعها: أن الله تعالى سماها بأسماء، فقال في بني إسرائيل:{وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] وقال في النور: {مّن قَبْلِ صلاة الفجر} [النور: 58] وقال في الروم: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وقال عمر بن الخطاب: المراد من قوله: {وإدبار النجوم} [الطور: 49] صلاة الفجر وخامسها: أنه تعالى أقسم به فقال: {والفجر وَلَيالٍ عَشْر} [الفجر: 1، 2] ولا يعارض هذا بقوله تعالى: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 1، 2] فإنا إذا سلمنا أن المراد منه القسم بصلاة العصر لكن في صلاة الفجر تأكيد، وهو قوله: {أَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار} [هود: 114] وقد بينا أن هذا التأكيد لم يوجد في العصر وسادسها: أن التثويب في أذان الصبح معتبر، وهو أن يقول بعد الفراغ من الحيعلتين: الصلاة خير من النوم مرتين، ومثل هذا التأكيد غير حاصل في سائر الصلوات وسابعها: أن الإنسان إذا قام من منامه فكأنه كان معدومًا، ثم صار موجودًا، أو كان ميتًا، ثم صار حيًا، بل كأن الخلق كانوا في الليل كلهم أمواتًا، فصاروا أحياء، فإذا قاموا من منامهم وشاهدوا هذا الأمر العظيم من كمال قدرة الله ورحمته حيث أزال عنهم ظلمة الليل، وظلمة النوم والغفلة، وظلمة العجز والخيرة، وأبدل الكل بالإحسان، فملأ العالم من النور، والأبدان من قوة الحياة والعقل والفهم والمعرفة، فلا شك أن هذا الوقت أليق الأوقات بأن يشتغل العبد بأداء العبودية، وإظهار الخضوع والذلة والمسكنة، فثبت بمجموع هذه البيانات أن صلاة الصبح أفضل الصلوات، فكان حمل الوسطى عليها أولى التاسع: ما روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه سئل عن الصلاة الوسطى، فقال: كنا نرى أنها الفجر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى صلاة الصبح ثم قال: هذه هي الصلاة الوسطى العاشر: أن سنن الصبح آكد من سائر السنن ففرضها يجب أن يكون أقوى من سائر الفروض فصرف التأكيد إليها أولى، فهذا جملة ما يستدل به على أن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح.القول الرابع: قول من قال: إنها صلاة الظهر، ويروى هذا القول عن عمر وزيد وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واحتجوا عليه بوجوه الأول: أن الظهر كان شاقًا عليهم لوقوعه في وقت القيلولة وشدة الحر فصرف المبالغة إليه أولى، وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالهاجرة، وكانت أثقل الصلوات على أصحابه، وربما لم يكن وراءه إلا الصف والصفان، فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم» فنزلت هذه الآية، والثاني: صلاة الظهر تقع وسط النهار وليس في المكتوبات صلاة تقع في وسط الليل أو النهار غيرها، والثالث: أنها بين صلاتين نهاريتين: الفجر والعصر، الرابع: أنها صلاة بين البردين: برد الغداة وبرد العشي، الخامس: قال أبو العالية: صليت مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فلما فرغوا سألتهم عن الصلاة الوسطى، فقالوا التي صليتها، السادس: روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر} وجه الاستدلال أنها عطفت صلاة العصر على الصلاة الوسطى، والمعطوف عليه قبل المعطوف، والتي قبل العصر هي الظهر السابع: روي أن قومًا كانوا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة بن زيد وسألوه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي صلاة الظهر كانت تقام في الهاجرة الثامن: روي في الأحاديث الصحيحة أن أول إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في صلاة الظهر، فدل هذا على أنها أشرف الصلوات، فكان صرف التأكيد إليها أولى التاسع: أن صلاة الجمعة هي أشرف الصلوات، وهي صلاة الظهر، فصرف المبالغة إليها أولى.القول الخامس: قول من قال: إنها صلاة العصر، وهو من الصحابة مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، ومن الفقهاء: النخعي، وقتادة، والضحاك، وهو مروي عن أبي حنيفة، واحتجوا عليه بوجوه الأول: ما روي عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: «شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا» وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم وسائر الأئمة، وهو عظيم الوقع في المسألة، وفي صحيح مسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» ومن الفقهاء من أجاب عنه فقال: العصر وسط، ولكن ليس هي المذكورة في القرآن، فههنا صلاتان وسطيان الصبح والعصر، وأحدهما ثبت بالقرآن والآخر بالسنة، كما أن الحرم حرمان: حرم مكة بالقرآن، وحرم المدينة بالسنة، وهذا الجواب متكلف جدًا الثاني: قالوا روي في صلاة العصر من التأكيد ما لم يرو في غيرها قال عليه الصلاة والسلام: «من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» وأيضًا أقسم الله تعالى بها فقال: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 1، 2] فدل على أنها أحب الساعات إلى الله تعالى الثالث: أن العصر بالتأكيد أولى من حيث إن المحافظة على سائر أوقات الصلاة أخف وأسهل من المحافظة على صلاة العصر، والسبب فيه أمران أحدهما: أن وقت صلاة العصر أخفى الأوقات، لأن دخول صلاة الفجر بطلوع الفجر المستطير ضوؤه، ودخول الظهر بظهور الزوال، ودخول المغرب بغروب القرص ودخول العشاء بغروب الشفق، أما صلاة العصر فلا يظهر دخول وقتها إلا بنظر دقيق وتأمل عظيم في حال الظل، فلما كانت معرفته أشق لا جرم كانت الفضيلة فيها أكثر الثاني: أن أكثر الناس عند العصر يكونون مشتغلين بالمهمات، فكان الإقبال على الصلاة أشق، فكان صرف التأكيد إلى هذه الصلاة أولى.الحجة الرابعة:في أن الوسطى هي العصر أشبه بالصلاة الوسطى لوجوه أحدها: أنها متوسطة بين صلاة هي شفع، وبين صلاة هي وتر، أما الشفع فالظهر، وأما الوتر فالمغرب، إلا أن العشاء أيضًا كذلك، لأن قبلها المغرب وهي وتر، وبعدها الصبح وهو شفع وثانيها: العصر متوسطة بين صلاة نهارية وهي الظهر، وليلية وهي المغرب وثالثها: أن العصر بين صلاتين بالليل وصلاتين بالنهار.والقول السادس: أنها صلاة المغرب، وهو قول عبيدة السلماني، وقبيصة بن ذؤيب، والحجة فيه من وجهين الأول: أنها بين بياض النهار وسواد الليل، وهذا المعنى وإن كان حاصلًا في الصبح إلا أن المغرب يرجح بوجه آخر، وهو أنه أزيد من الركعتين كما في الصبح، وأقل من الأربع كما في الظهر والعصر والعشاء، فهي وسط في الطول والقصر.الحجة الثانية:أن صلاة الظهر تسمى بالصلاة الأولى، ولذلك ابتدأ جبريل عليه السلام بإمامة فيها، وإذا كان الظهر أول الصلوات كان الوسطى هي المغرب لا محالة.القول السابع: أنها صلاة العشاء، قالوا لأنها متوسطة بين صلاتين لا يقصران، المغرب والصبح، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى العشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة» فهذا مجموع دلائل الناس وأقوالهم في هذه المسألة، وقد تركت ترجيح بعضها فإنه يستدعي تطويلًا عظيمًا، والله أعلم.المسألة الرابعة: في الوتر:احتج الشافعي بهذه الآية على أن الوتر ليس بواجب، قال: الوتر لو كان واجبًا لكانت الصلوات الواجبة ستة، ولو كان كذلك لما حصل لها وسطى، والآية دلت على حصول الوسطى لها.فإن قيل: الاستدلال إنما يتم إذا كان المراد هو الوسطى في العدد وهذا ممنوع بل المراد من الوسطى الفضيلة قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي عدولًا وقال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] أي أعدلهم، وقد أحكمنا هذا الاشتقاق في تفسير قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} وأيضًا لم لا يجوز أن يكون المراد الوسطى في المقدار كالمغرب فإنه ثلاث ركعات وهو متوسط بين الإثنين وبين الأربع، وأيضًا لم لا يجوز أن يكون المراد الوسطى في الصفة وهي صلاة الصبح فإنها تقع في وقت ليس بغاية في الظلمة ولا غاية في الضوء.الجواب: أن الخلق الفاضل إنما يسمى وسطًا لا من حيث إنه خلق فاضل، بل من حيث إنه يكون متوسطًا بين رذيلتين هما طرفا الإفراط والتفريط، مثل الشجاعة فإنها خلق فاضل وهي متوسطة بين الجبن والتهور فيرجع حاصل الأمر إلى أن لفظ الوسط حقيقة فيما يكون وسطًا بحسب العدد ومجاز في الخلق الحسن والفعل الحسن من حيث إن من شأنه أن يكون متوسطًا بين الطرفين اللذين ذكرناهما وحمل اللفظ على الحقيقة أولى من حمله على المجاز.أما قوله: نحمله على ما يكون وسطًا في الزمان وهو الظهر.فجوابه: أن الظهر ليست بوسط في الحقيقة، لأنها تؤدى بعد الزوال، وهنا قد زال الوسط.وأما قوله: نحمله على الصبح لكون وقت وجوبه وسطًا بين وقت الظلمة وبين وقت النور، أو على المغرب لكون عددها متوسطًا بين الإثنين والأربعة.فجوابه: أن هذا محتمل وما ذكرناه أيضًا محتمل، فوجب حمل اللفظ على الكل فهذا هو وجه الاستدلال في هذه المسألة بهذه الآية بحسب الإمكان والله أعلم. اهـ.وقد ذكر القرطبى أقوالا أخرى في المراد بالصلاة الوسطى:منها: صلاة الجمعة؛ لأنها خُصّت بالجمع لها والخطبة فيها وجُعِلَت عيدًا؛ ذكره ابن حبيب ومكي. وروى مسلم عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلَّفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلًا يصلّي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلّفون عن الجمعة بيوتهم».وقيل: إنها الصبح والعصر معًا. قاله الشيخ أبو بكر الأبهرِيّ؛ واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث، رواه أبو هريرة. وروى جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: «أما أنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها» يعني العصر والفجر: ثم قرأ جرير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]. وروى عُمارة بن رُؤَيْبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يلِج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلّى البَرْدَيْن دخل الجنة» كلُّه ثابت في صحيح مسلم وغيره، وسميتا البَرْدَيْن لأنهما يُفعلان في وقتي البرد.وقيل: إنها العتمة والصبح. قال أبو الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه: اسمعوا وبلِّغوا من خلفكم حافظوا على هاتين الصَّلاتين يعني في جماعة العشاء والصبح، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حَبْوًا على مرافقكم ورُكَبِكم؛ قاله عمر وعثمان. وروى الأئمّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولوحَبْوًا وقال إنهما أشدّ الصَّلاة على المنافقين» وجعل لمصلّي الصبح في جماعة قيام ليلة والعَتَمة نصف ليلة؛ ذكره مالك موقوفًا على عثمان ورفعه مسلم، وخرّجه أبو داود والترمذي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد العِشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة» وهذا خلاف ما رواه مالك ومسلم. اهـ.
|